مقدمة تاريخية – Historical Introdution
إن علم أمراض
النبات هو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة النبات المريض، ويمتد ذلك أيضًا للمنتج
النباتي خلال مراحل النقل والتخزين والتسويق، وتشمل هذه الدراسة : النواحي الغير
طبيعية التي قد تطرأ على النبات فتعيق نموه الطبيعي أو تقلل من ندرته الإنتاجية.
والمصطلح
العلمي لهذه الدراسة – Phytopathology مصطلح لاتيني قديم ويتكون من
ثلاثة مقاطع: Phytos ومعناه نبات . pathos ومعناها مرض، Ology ومعناها علم
. أي أن المعنى الحرفي لهذه الكلمة هو علم النبات المريض. أو علم أمراض النبات.
وتشمل هذه
الدراسة طبيعة المسبب الممرض وتاريخ حياته وتأثيره على النبات ومنتجاته وطرق
الوقاية ومقاومة المرض النباتي ، هذا وقد عرفت الأمراض النباتية منذ فجر التاريخ
الإنساني، عندما بدأ الإنسان في ملاحظة الخسائر التي كانت تلحق بمحاصيله الزراعية
المختلفة.
·
ولقد ذكر الفلاسفة الإغريق مثل أرستطاليس( Aristole - 384 – 323قم) بعض أمراض
التين والزيتون والعنب. وثيوفراستس (Theoghrastus) الذي لاحظ
وجود أمراضًا نباتية على محاصيل الغلال (Gereals) .
·
وفي ذلك الوقت لم تبذل مجهودات تذكر لدارسة تلك الأمراض
ومعرفة مسبباتها، إذ كانت تعزي غالبًا إلى الأرواح الشريرة وأعمال السحر وغضب
الآلهة، فكان الناس في ذلك الوقت يقدمون القرابين لتزول اللعنة وتسلم زراعاتهم من
الأمراض.
·
ذكر بليني Pliny في القرن
الأول بعد الميلاد أن أصداء القمح والشعير كانت من أهم الأمراض وأكثرها دمارًا في
زمن الرومان ، وقد اعتقدوا أن إله الصدأ (Rubigus ) يصيب
غلالهم بالصدأ عقابًا لهم على ما فعله طفل في الثانية عشر من عمره بثعلب خطف دجاجة
من حظيرة أبيه، فأمسكه الطفل وأشعل النار في ذيله وتركه يجري محترقًا!! ولذلك كان
الرومان يقيمون احتفالات في أوائل الربيع من كل عام يبتهلون فيها إلى إله الصدأ أن
يحمي محاصيلهم من الإصابة بالمرض.
·
وتوارثت الأجيال المتعاقبة مثل تلك الخرافات لدرجة أنها
أصبحت عقيدة راسخة في الأذهان حتى قرب نهاية القرن الثامن عشر إلا أنه خلال تلك
الفترة عارض لبعض تلك الخرافات يقينًا منهم أنه لابد لهذه الأمراض من مسببات.
# وكان
لتأثير نظرية التوالد الذاتي – التي ثبت خطؤها فيما بعد – النصيب الأكبر في
التفسيرات الخاطئة والمضللة للأمراض النباتية . فمثلاً فسر Meyer عام 1841
مرض التفحم في الذرة الشامية إلى سوء استعمال الأسمدة وقال إن حراثيم التفحم
المعروفة الآن ناتجة عن سوء التغذية وفساد العصارة النباتية وظل هذا التفسير
الخاطئ ساريًا حتى عام 1848 حيث أثبت Tulsenr العلاقة بين
جراثيم التفحم السوداء ومرض التفحم ال؟؟ في القمح ثم توالت التفسيرات الصحيحة
للأمراض النباتية والحيوانية بداية مذ ذلك التاريخ والذي واكب خطأ نظرية التوالد
الذاتي على يد العالم باستير.
·
وقد جاء ذكر الأمراض النباتية وما تسببه من دمار
للمحاصيل أو نقص في غلتها في بعض الكتب السماوية ، فقد ذكر في التوراة مثلاً: إذا
صار في الأرض جوع ، إذا صار وباء، إذا صار لفح أو يرقان أو جراد جردم أو إذا حاصره
عدوه في أرض مدنه في كل ضربة وكل مرض ( الملوك الأول 8 : 37)
·
" يضربك الرب بالسل والحمى والبرداء والإلتهاب
والجفاف واللفح والذبول فتتبعك حتى تفنيك" ( تثنية: 28: 22) وتوضح هذه الآيات
من التوراة مدى أهمية أمراض الذبول واللفحة في تلك العهود.
· {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم
مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }( البقرة 155- 156)
مولد علم أمراض
النبات: ( 1853 Antoine de
Bary ) :
يعتبر عام 1853
عام مولد: علم أمراض النبات" – حيث أنه في ذلك العام ، نشر العالم الألماني
أنتوان دي باري (Antoine de
Bary) – نشر
أبحاثًا عديدة أثبت فيها أن بعض الفطيرات تسبب أمراضًا للنبات . مثل تطفل فطريات
الأصداء والتفحمات على بعض النباتات، ويعتبر هذا العالم الرائد الأول لعلم أمراض
النبات الحديث .. في نفس العام أثبت أنتون دي باري أن مسبب مرض الندوة المتأخرة في
البطاطس هو الفطر Phytopatholora
infestans ، حيث أن هذا المرض قد حدث في تلك الفترة بصورة
وبائية، أدت إلى مجاعة أيرلندا الشهيرة ، مما جذب إنتباه الكثير من العلماء... وفي
عام 1865 اكتشف هذا العالم دورة حياة صدأ الساق الأسود في القمح الناجم عن الفطرة Puccinia graminis tritici ، ويتم دورته على عائلين مختلفين هما القمح
والباربري.
** تطور أمراض النبات: Development of plant Diseaes
· كوخ – 1881 Koch : استنبط طريقة الأطباق لعزل البكتريا والفطريات ، بدلاً من طريقة
التخفيف التي كانت تستعمل من قبل. وأثبت صحة نظرية الجراثيم في أبحاثه على مرض
الجمرة الخبيثة والسل، كما أنه توصل كوخ إلى استعمال الجيلاتين لتحضير البيئات
الصلبة والذي حل الآجار محله فيما بعد ، أيضًا فإن هذا العالم هو الذي وضع الفروض
المعروفة باسمه حتى الآن (Koch Postulates ) لإثبات
العلاقة بين المرض ومسببه من الكائنات الحية المختلفة.
·
ميلارديت – 1885- 1881 Milardet, : هو عالم نبات فرنسي . اكتشف بالصدفة البحتة تأثير مركب"
النحاس والجير" الفعال ضد البياض الزغبي في العنب ( قصة هذا الاكتشاف ) – ثم
قام بتركيب مزيج بوردو وأسماه بهذا الاسم نسبة إلى اسم المقاطعة الفرنسية التي كان
يعمل بها ميلارديت . وما زال هذا المركب يستعمل حتى الآن لمقاومة العديد من أمراض
البياض الزغبي. وترتب على هذا الاكتشاف ظهور مركبات أخرى كثيرة تستعمل بنجاح ضد
كثير من الأمراض النباتية.
· جونسون – ( 1887 Jenson) : اكتشف أن
للماء الساخن تأثير فعال في مقاومة التفحم السائب في القمح – حيث أن معاملة الحبوب
بالماء الساخن وعلى درجة حرارة معينة ولوقت محدد، تؤثر على حيوية ميسليوم الفطر
الكامن في الحبوب دون الإضرار بحيوية الجنين، وعند زراعة الحبوب فإنها تكون خالية
من الإصابة وتنبت بنسبة عالية. وما زالت هذه الطريقة تستعمل حتى الآن مع بعض
التطوير في الأداء والإمكانيات المستعملة.
·
بيريل: ( Burrill, 1879 – 1881 ) : اثبت أن البكتيريا تستيطع أن تحدث أمراضًا
للنبات ، حيث كان الاعتقاد السائد من ذي قبل أنها تسبب أمراضًا للحيوان والإنسان
فقط ولكنها غير قادرة على أن تسبب أمراضًا للنبات وذلك لأنها تتكون من خلية واحدة
أو ليس لديها المقدرة على اختراق النبات بالإضافة لأنها تفضل الوسط المتعادل
ومعروف أن عصارة النبات حامضية ، وجاء بيريل ليثبت عكس ذلك وكان أول من عمل على
مرض اللفحة النارية في الكمثرى وأثبت أنه ناجم عن الميكروب Erwinia anylovorum ثم جاء بعده العالم Smith وتوالت الأبحاث في مجال أمراض النبات البكتيرية ، التي تعددت
وكثرت الآن وأصبح لها فرعًا خاصًا لدراستها.
·
ماير- ( Mayer,1886 ) : وجد هذا العالم الهولندي أن عصارة نباتات الدخان المصابة
بمرض الموزيك الفيروسي، يمكنها أن تسبب نفس الأعراض إذا ما حقنت في نباتات أخرى
سليمة ، ويعتبر هذا أول تسجيل معروف لإنتقال مرض فيروسي في النبات.
·
إيفانوفيسكي – (Iwanowesc,1892) : وجد هذا العالم الروسي أن
راشح العصارة للنباتات المصابة بالفيروس والمار خلال المرشحات البكتيرية – وجد أن
هذا الراشح يحتفظ بقدرته على إحداث العدوى بالمرض الفيوسي عند معاملة النباتات
السليمة به. وتعتبر هذه الحقيقة التاريخية الهامة أو سجل لمرور الفيروس خلال
المرشحات الغير منفذة للبكتيريا.
·
ثم مع بداية القرن العشرين- توالت الأبحاث والجهود في مجال أمراض النبات وتطورت
بشكل ملحوظ وذلك بسبب التوسع الكبير في طرق البحث العلمي وتقنياته المختلفة ،
ولتغطية الاحتياجات المتزايدة من الطعام والكساء التي تنتج من النباتات السليمة
الخالية من الأمراض النباتية.
·
تاريخ أمراد النبات في مصر – History
of Plant Diseases in Egypt لم يرد في تاريخ مصر الطويل (
حوالي 7 آلاف عام) أية إشارة إلى أمراض تصيب محاصيلها ، ويبدو أن المحاصيل المصرية
القديمة كانت سليمة خالية من الأمراض الخطيرة بسبب عزلة مصر نسبيًا فيما مضى عما
يجاورها من الأقطار، وجفاف جوها واعتدال رطوبة تربتها بسبب إتباع نظام الري
الحوضي.
·
في العصر الإسلامي: وخلال عهدي العباسيين والفاطميين ومن
قبلها في عهد الخلفاء الراشدين – وعلى أكثر ما كتب عن مصر ومحاصيلها في تلك الفترة
– فلم يرد ذكر الإصابة المحاصيل المصرية بالأمراض – إلا ما ذكر عن الحامول
والهالوك.
·
كما أن علماء النبات الأجانب الذين زاروا مصر في القرون
الوسطى لم يذكروا شيئًا عن إصابة المحاصيل المصرية القديمة بالأمراض فيما عدا ما
ذكره العالم فورسكال ( Forskal
1775 ) في مؤلفه ( الفلورا المصرية – Egyptian Flora ) حيث أشار إلى وجود نوع واحد من الحامول ونوعين من الهالوك.
·
لم تهتم مصر بأمراض النبات إلا عندما فتحت أبوابها
للثقافة الغربية ولم يذكر الفرنسيون خلال حملتهم على مصر شيئًا عن النباتات
والأمراض التي تصيبها سوى ما ذكره العالم والفرنسي جودري ( Gaudri ) خلال جولاته في بلاد الشرق الأوسط لدراسة مرض البياض الدقيقي في
العنب، فقد لاحظ أعراض هذا المرض على زراعات العنب في مصر.
·
في ذات الوقت اهتم هاس دي نانسي( Huss de Nancy) بدراسة أمراض النبات في مصر، وذكر أن بعض المحاصيل تصاب في أيام
فيضان النيل بأمراض الإصدار والبياض – كما أنها تصاب بالاصفرار الذي قد يؤدي إلى
موتها خاصة مع زيادة فترة الفيضان، حيث تظهر التشققات على ثمار النباتات وإنتفاخات
على سوقها ، وتختفي تلك الأعراض بانتهاء فترة الفيضان.
·
ومع استعمال المبيدات الفطرية في أواخر القرن التاسع
عشر، والتي ذكر منها ديلشيفاليري- Delchevalerie منها مخلوط
بوردو، ومخلوط بورجاندي، وكربونات النحاس النشادرية والكبريت ، وعدد آخر من
المبيدات وفي ذلك الوقت اهتم المزراعون بمقاومة الأمراض النباتية بالطرق
الكيماوية.
·
ذكرى العالم المصري أحمد ندا في كتابه عن " الزراعة
المصرية" الكثيرة من أمراض المحاصيل الحقلية والبستانية المختلفة مثل الأصداء
والتفحمات في القمح والتصمغ في الموالح، والفطريات الهبابية التي تعقب الإصابة
بالحضرات القشرية ، كما ذكر الأشنات التي تصيب أشجار الموالح ، وتصمغ الخوخ
والبرقوق والمشمش واللوز ، ووصف مرض تجعد أوراق الخوخ ، كما كتب عن مرض البياض
الدقيقي في الخوخ، وأشار إلى أن جذوره تصاب بما أسماء عفن الجذور الأبيض، وذكر بشيء
من التفصيل عن أمراض العنب وخلاصة عن مقاومة البياض الدقيقي في العنب بواسطة
الكبريت.
جميل ما شاء الله
ردحذف