ما المقصود بالنمو الجسدي؟
رغم أننا لا
نستطيع أن نصف مظاهر النمو الجسمي وصفًا كاملاً ، إلا أن هدفنا هو أن نقدم من
المعلومات ما يكفي لكي ندرك مدى التعقيد في العلاقات التبادلية بين مختلف أجهزة
الجسم . كما أننا سنوضح أنه منذ بداية الحمل يكون النمو الجسمي عملية مستمرة من التفاضل
الخلوي ، مع عملية مصاحبة من التفاضل والتكامل بين الأجهزة ، وأخيرًا فإن مظاهر
النمو الجسمي يجب أن ينظر إليها علي اعتبار أنها مرتبطة أساسًا بالمظاهر الأخرى من
النمو.
وسوف نتناول
النمو الجسمي من خلال نمو الطول والوزن ونمو العمليات الفسيولوجية ، والنمو الحسي
منذ مرحلة ما قبل الميلاد وحتى مرحلة الرشد.
أولاً: مرحلة ما قبل الميلاد .
ما بين
لحظة الحمل ولحظة الميلاد ، تصبح كل آليات البيولوجية اللازمة لتواجد حياة مستقلة
في حالة عمل. فعندما تتحد البويضة بالخلية المئوية في قناة فالوب ( عندما تكون
البويضة في طريقها إلى الرحم) تبدأ على الفور عملية الانقسام البويضة ، ويستعد
الرحم بإمداد إضافي من الدم لاستقبال البويضة المخصبة وتتلقى البويضة الخصبة (
الزيجوت) الغذاء من المخ في أثناء رحلتها إلى الرحم ولكن يحدث بعد ذلك مباشرة أن
تنمو تكوينات خارجية – الحبل السري، والمشيمة ، وكيس السائل الأمنيوتي – وتقدم لها
الحماية والغذاء.
الفترة الجنينية:
يسمى التركيب
العضوي الآخذ في النمو " الجنين " وإذا نجح الزيجوت في الالتصاق بجدار
الرحم، فإن النمو يبدأ رحلته الجنينية وهي تستمر نحو ثمانية أسابيع . وسرعان ما
تتفاضل خلايا الجنين ، وفي نهاية المرحلة الجنينية تتخذ سمات التركيب العضوي
مظهرًا إنسانيًا واضحًا . والشكل (1) يبين هذه التغيرات، إذ يبين إنه في نهاية
المرحلة الجنينية ، يبلغ طول التركيب العضوي 41مم في المتوسط .
إن عملية
التفاضل الخلوي المسئولة عن وطائف التكوينات البشرية وهي وظائف بالغة التخصص ،
عملية شديدة التعقيد (Fuller & Thompson 1960 ) لننظر مثلاً إلى النمو العصبي: كيف تستطيع الألياف العصبية
للجنين ، ولكل منها وظيفة على درجة ما من التحديد ، أن تجد طريقها إلى مستقبلاتها
من غدد وعضلات وأجزاء أخرى من الجهاز العصبي المركزي؟ لقد جاء وقت افتراض فيه أنه
لما كانت كل خلية في الجسم تشتمل على نفس العدد من الجينات ، فليست كل الجينات في
الخلية تكون نشطة ( فعالة) ثم افترض أن مجموعات صغيرة من الجينات في كل خلية تكون
نشطة ، أي أن عملية التفاضل الخلوي تتطلب أعداد من الجينات النشطة في كل خلية ،
وهذه الأعداد تتناقض باطراد غير أنه لم يكن من الممكن تجريبيًا تحديد أي الجينات
هي النشطة وأيها غير النشطة . وتوقعًا منه لأبحاث جديدة اعتقد سبري SPERRY ( 1951) أن حل هذه المسألة
يوجد في نظام إرشادي بيوكيمائي معقد ، وكان ذلك مقدمة لفكرة نظام تبويب الجينات الذي
يتضمن كلا من د. ن . أ ، ر. ن . أ وقد افترض سبري SPERRY أن كثيرًا
من الألياف العصبية تجري برمجتها مسبقًا للقيام بوظائف معينة ( الإبصار ، السمع ،
اللغة ) ، وتتصل الألياف العصبية بعدد قليل من بين التفرعات العديدة للخلية
العصبية ، وأن عملية الانتقاء التي تحدد أي الألياف هي التي تتصل بخلايا معينة
تتوقف على التوافق البيوكيماوي للخلايا الفردية ، وهكذا فإن خلايا المخ تكون وظائف
متخصصة وكذلك الأجهزة العصبية التي تسيطر
عل وظائف الجسم
وعند نهاية الشهر الثاني ، أي نهاية المرحلة الجنينية ، يكون التفاضل بين تكوينات الجسم قد تم بنسبة 95% فالأطراف الأربعة تصبح واضحة تمامًا ويمكن التعرف على بدء تكوين العينين والأذنين والهيكل العظمي والعضلات ، علاوة على ذلك يتواجد جهاز عصبي بدائي.
الفترة الحميلية :
وتسمى السبعة
شهور الباقية من الحياة قبل الولادة بالفترة الحميلية . ولما كانت 95% من تكوينات
الجسم موجودة في نهاية الشهر الثاني، فإن باقي فترة الحمل تمضي في النمو العام
وتتحسن أجهزته ويعتبر نمو المخ مثلاً جيدًا على ذلك ، فكل تكويناته الرئيسية تتم
في نهاية الشهر الثالث من الفترة الحميلية . وابتداء من هذه النقطة تصبح الألياف
العصبية أكثر كثافة ، الأمر الذي يؤدي إلى تكون التلافيف في حوالي الشهر السابع
الحميلي. غير أن سرعة المخ في النمو لا تضارع سرعة نمو باقي التركيبات العضوية .
والنمو الأسرع في منطقة الدماغ يسمى " النمو الرأسي ذنبي " CEPHALOCAUDAL TREND ، والجهاز الهرمي ( أليفا
عصبية تبدأ من لحاء الدماغ وتمتد على طول العمود الفقري) وألياف العمود الفقري لا
تبدأ في النمو السريع إلا فيما بعد ، ولذلك فإن الحركة الإرادية لا تتيسر في مبدأ
الأمر . وعندما تبدأ الأجهزة التي تسيطر عليه السلوك الإرادي الحركي في التكامل ،
تكون باقي مناطق المخ هي الأخرى آخذة في التكامل.
وهناك عملية أخرى
داخل الجهاز العصبي المركزي تبدأ في فترة ما قبل الولادة وتعرف باسم " تكون
النخاع Myelin وهي مادة دهنية بيضاء تغطي الألياف العصبية ،
والمعتقد أنها مسئولة عن سرعة التوصيل العصبي، أي أنها تجعل وقت رد الفعل
والوظيفية الحسية أكثر كفاءة.
إن القليل من
الأبحاث هي التي نشرت عن جهاز الدورة الدموية في القلب وجهاز الغدد الصماء في
الجنين . فنبضات قلب الجنين مثلاً تبدأ بعد الحمل بثلاثة شهرو تقريبًا، ولكن آليات
حركة النبض نفسها غير مفهومة . علاوة على ذلك فهناك ما يدل على أنه في داخل الجهاز
الدوري يقوم الدم الخارج من المشيمة بافتتاح أجهزة تؤدي إلى سريان دم الأم خلال
كبد الجنين ورجوعه إلى القلب ، ويجري تصريف الفضلات المتجمعة خلال غشاء المشيمة
وللجنين جهازه الدوري الخاص، ولكنه يتابدل الدم في كلا الاتجاهين ( من الجنين إلى
الأم ومن الأمر إلى الجنين ) بواسطة أغشية مسامية كيميائيًا، توجد بصفة خاصة في
المشيمة . ولذلك فإن العقاقير ، مثل الثاليدوميد، التي تتناولها الأم تعبر غشاء المشيمة ، وقد
يكون لها تأثير ضار على نمو الجنين . ومن جهة أخرى ، فإن الجنين ينقل الإفرازات
الغدية إلى الأم . وبعض إفرازات الجنين مثلاً تؤدي إلى تراجع حالات التهاب
المفاصل، وإن كانت هذه الحالات تعود للظهور بعد ولادة الطفل.
وقد تركزت
الأبحاث حول انمو الغدي بصفة خاصة على الأطفال حديثي الولادة ومن هم أكبر منهم أن
الغدد الرئيسية تنمو أثناء فترة ما قبل الميلاد ، ولكن تأثيرها على السلوك أو
النمو لا يبدو ملحوظًا.
وينمو الجنين
في الطول من 1.5 بوصة إلى ما يقرب من 20 بوصة عند الميلاد . ويتغير الوزن من 8/1
رطل تقريبًا إلى 7 أرطال . وعندما يبلغ الجنين الشهر السابع وإلى الشهر السابع
والنصف، تكون آلياته الجسمية قد بلغت حدًا من النمو يسمح لها بالحياة خارج الرحم،
وإن كان ذلك بمساعدة أجهزة صناعية كما أن الأجنة تظهر انعكاسات بدائية مثل
الانعكاس الكفي ( انعكاس قبض استجابة لملامسة راحة اليد) والانعكاس الأخمصي (
انثناء أصابع القدم استجابة لملامسة باطن القدم)
ثانيًا: مرحلة ما بعد الميلاد
أ- نمو الطول
والوزن:
عندما وصفنا
النمو قبل الميلاد ، لاحظنا أن منطقة الدماغ تنمو أسرع من نمو التكوينات التي تقع
أسفلها. وعند الولادة تكون الدماغ نحو 22 % من طول الوليد ، ولكن هذه النسبة تتغير
( انظر الشكل 2) تغيرًا ملحوظًا مع التقدم في السن: ويختلف الأطفال عند الميلاد في
الطول وفقًا للعوامل الوراثية ، ولعوامل الجنس: فالذكور عند الميلاد يكونون في
الغالب أطول من الإناث قليلاً، ويكون النمو في الطول سريعًا ما بين الميلاد إلى
نهاية السنة الثانية إذ يبلغ طول الطفل الوليد حوالي 50 سم ويزيد طول الطفل بمعدل
2.6 سم كل شهر خلال الأشهر الأربعة الأولي، ويصل طوله في الشهر الرابع إلى حوالي
60سم ، وفي نهاية السنة الأولى يصل طوله إلى حوالي 70سم وفي نهاية السنة الثانية
يصل إلى حوالي 87 سم تقريبًا.
أما بالنسبة
للوزن: فإن ومن الطفل يتضاعف عما كان عليه عند الولادة بعض مضي خمسة أشهر، وبعد
عام يصل إلى ثلاثة أضعاف هذا الوزن فمن المعايير المعروفة أن الطفل حديث الولادة
يصل وزنه إلى حوالي سبعة أرطال أي ثلاثة كيلو جرامات ، وعلى الرغم من أن الوليد
يقل ونه في الأيام الأولى بعد الميلاد بسبب توافقات الطفل مع بيئته الجديدة ، وحتى
تعمل أجهزة الهضم وتقوم بدورها ، فإن الطفل يعود إلى استعادة ما فقده وتكون
الزيادة في الوزن زيادة مطردة إذ يزيد بمعدل 4/3 كيلو جرام شهريًا خلال الشهور
الأربعة الأولى فيصل وزنه إلى ما يقرب من 4/51 كجم، ويصل في نهاية السنة الأولى
إلى حوالي 9 كجم، ويبلغ في سن سنتين ما يقرب من 12.5 كجم، .. وعلى الرغم من وجود
فروق بين الذكور والإناث في ذلك إلا أن الوزن يتأثر بصفة عامة بالحالة الصحية
للطفل وبنظام تغذيته ، وبالوعي الغذائي للأم.
ومن واجب
الآباء والمربيين : أن يقوموا بعرض الطفل على الطبيب المختص إذا لم يتحدث زيادة في
وزن الطفل في الأسابيع الأولى ، أو إذا لم تحدث زيادة في طوله إلى الشهر السادس.
أما في الطفولة
المبكرة ( 3 – 5 ) سنوات : فإن معدل الطول والوزن ينموًا مطردًا وسريعًا .. حيث
يصل طول الطفل في سن الثالثة إلى 90سم في المتوسط ، ويستمر في الزيادة فيصل في سنة
الخامسة إلى 107 سم ، وفي بداية العام السادس إلى حوالي 110 سم ،
أما الوزن في
سن الثالثة فيبلغ 14 كجم في المتوسط .. واعتبارًا من السنة الثالثة يزداد بمعدل
كيلو جرام سنويًا ، فيصل الوزن في الخامسة إلى حوالي 18 كجم وفي السادسة إلى حوالي
19 كجم.
وتلاحظ فروق
فردية طفيفة بين الجنسين ، فنجد البنين أطوال والنبات أكثر وزنًا ونجد أن البنين
أكثر حظًا في النسيج العضلي على حين تكون البنات أكثر حظًا في الأنسجة الشحمية.
وبالإضافة إلى
الفروق الفردية بين الجنسين في الطول والوزن- نجد فروقًا فردية بين أبناء العمر الواحد
، وهي ترجع إلى طبيعة الطفل الخاصة ووراثته، والظروف البيئية التي يعيش فيها ومدى العناية التي ينالها في
التغذية ، ومدى سلامة بنيته وصحته العامة.
وهذا يلاحظ أن
75% من زيادة الوزن خلال السنة الخامسة ترجع إلى تطور نمو العضلات ، وإن كان السبق
لا يزال للعضلات الكبرى فهي أكثر تطورًا من العضلات الصغرى – الأمر الذي يفسر تأخر
المهارات التي تتضمن تآزرات دقيقة لدى الطفل وتفوقه في الأنشطة التي تتطلب الحركات الكبيرة.
وفي سنوات
المدرسة الابتدائية يبدأ النمو الجسمي في التباطؤ بعد أن كان يتقدم بخطوات سريعة
في المراحل السابقة ، ونلاحظ زيادة في الطول سنويًا تقدر بحوالي 2 – 5 سم أي بمعدل
يصل إلى 5 – 6 % سنويًا ويصل معدل الزيادة في الوزن حوالي 10% من الوزن الكلي
للطفل – أي بمعدل 3 – 5 أرطال وهكذا يبلغ طول الطفل حوالي 117.5 سم في سن السابعة
ويصل وزنه إلى حوال ي21.6 كجم ، ويقل طول ووزن الفتيات قليلاً عن الذكور في هذه
السن ويصل الطول إلى حوالي 152سم في نهاية المرحلة ، ويصل الوزن إلى حوالي 45 كم
وحتى سن العاشرة يكون البنون ( الأولاد ) أطول قليلاً من البنات إلا أنه بعد
العاشرة تحدث طفرة النمو لدى البنات حيث يتفوقن على البنين في الطول والوزن ولعل
مرد ذلك إلى إنهن يسبقن البنين في الدخول إلى مرحلة البلوغ بكل ما تحمله من طفرة
نمائية.
هذا – وتوجد
فروق فردية في الأطفال في الطول والوزن فقد نجد أطفالاً في سن السادس يفوقن في
الطول أطفالاً في سن العاشرة ، ويعتمد ذلك بالطبع على الاستعداد الوراثي للطفل
ونوعية الراعاية التي تقدم له من غذاء ورعاية من الأمراض وترويح ولعب وترفيه.
بالإضافة لذلك
فإنه في المرحلة الابتدائية تتحول بعض الغضاريف في الهيكل العظمي إلى عظام صلبة.
وفي المرحلة
المراهقة : فقد دلت الدراسات المسحية التي أجريت على المراهقين أن مظاهر الجسم
تنالها طفرة قوية في الفترة بين العاشرة والسادسة عشرة وإن كانت هذه الطفرة تحدث
مبكرة عند البنات ومتأخرة قليلاً عند البنين : إذ تبدأ عند البنات في احوالي
التاسعة وتنتهي في الرابعة أو الخامسة عشرة ، وتبدأ عند البنين في حوالي سن
الثانية عشرة وتنتهي في حوالي سن الخامسة عشرة ، وتبلغ أقصى سرعة للنمو عند البنين
في حوالي سن الرابعة عشرة ، بينما تبلغ أقصاها في سن الثانية عشرة عند البنات ...
وبينما يصل البنين للطول النهائي في سن العشرين فإن البنات يصلن للطول النهائي في
سن السابعة عشرة.
ومثل معدلات
نمو الطول فإن طفرة نمو وزن الجسم يكون أكبر في سرعته ودرجته عند الإناث من سن 11 –
15 منه عند البنين وبعد هذه السن يزيد وزن البنين حتى تصل هذه الزيادة في سن
العشرين إلى 20% من متوسط سرعة النمو العامة – انظر شكل (5) ومن المعلوم أن الوزن
يزداد في المراهقة زيادة سريعة نظرًا لنمو العضلات والعظام . وبينما نلاحظ اتساع
الكتفين عند الفتى فإن عظام الحوض تنمو عند الفتاة بشكل أوضح لوظيفة الحمل
والولادة ويكون البنون أقوى جسميًا من البنات في نمو العضلات بينما عند البنات
يتراكم الدهن في أماكن معينة من الجسم.
والخلاصة : إنه
فيما يتعلق بالفروق بين الجنسين من منحنيات النمو للطول والوزن أن منحني الطول
ومنحني الوزن يأخذان نفس الاتجاهات العامة عند كل جنس على حده – أي أن البنات قبل
البلوغ أقل طولاً ووزنًا من البنين ، أما أثناء البلوغ فعادة ما تكون البنات أكثر
طولاً ووزنًا من البنين ، بينما يصبح البنون أكثر طولاً ووزنًا في نهاية مرحلة
المراهقة ويظلون كذلك طيلة حياتهم.
سبحان الله وبحمده
ردحذف